عزلة – عائلة !

 

 

tumblr_nndv0p5Fwx1qg9kado1_540.jpg

 

هذه التدوينة إهداء إلى صديقتي في الجامعة . جميلة مبارك التي أصبحت أما ومعلمة أجيال أفتخر بها . ❤️
في مرحلة ما من حياتي أخذت منعطفا كبيرا من دون أن أدرك ذلك ! قررت بعدها أن أفضل حل لهذه التغيرات الصادمة أن ألجأ إلى العزلة كحل مؤقت لأستجمع قواي مرة أخرى . لكني وجدت نفسي شيئا فشيئا أغرق في هذه العزلة وبدأت أنسى كيف أتواصل مع الآخرين , أصبح الامر صعبا جدا أن أرفع سماعة الهاتف أو حتى أن أرد على الرسائل عبر تطبيق الواتس آب !

 
أتت أختي لزيارتنا كان ذلك في شتاء عام 2014 خرجت حينها لأول مرة منذ سنتين من العزلة لشاطئ البحر . المكان مليء بالناس كما هو المتوقع لكني لم أفزع لهذا التغيير ربما لأني أتخذت مكانا بعيدا وحدي وكنت أتأمل الأمواج . التأمل كان ممتعا جدا بل منعشا . تحرك الدم في عروقي مشيت بعد ذلك تجولت مع أبناء أختي ثم عدنا للمنزل .كان يوما لطيفا جعلني أفكر فيما إن كان حان الوقت لإنهاء عزلتي .


مازالت مواجهة الناس تخيفني , مواجهة صديقاتي زميلات الدراسة معلماتي . السؤال المقلق ماذا فعلتي بعد التخرج ؟ حقيقة لا أحد سيهتم بما حصل لك بعد أن تخرجت أظن أن أكثر الناس يحكمون على من لم يبحث على وظيفة بأنه كسول أو إتكالي . لكن لا أحد سيهتم إن كنت تعاني لأنك مازلت تبحث عن ذاتك !
قررت أن أعد نفسي جيدا سأعيد قراءة مادرسته وأدرس اللغة الإنجليزية وأذهب لمقابلات الوظيفة وستجري الامور كما رتبت لها متسلسلة من دون عقبات . الفكرة الأولى التي تخطر ببالي أولا عن أي شيء في الحياة هكذا” سيكون كل شيء على مايرام “! مازلت متمسكة بالنظرة الطفولية للحياة  .

 
مرحلة الإعداد تلك إستغرقت سنتين , وفي كل مرة أقول لنفسي أن الوقت لم يحن لأترك المنطقة الآمنة – منزلي – وأتجه للعمل وأقابل الناس . أغرقت نفسي بالمشاريع والكتب والأفلام والمسلسلات والأخبار . هذه السنة كل شهر وكل اسبوع له خطة حتى لا أدع أي فراغ يتسلل إلي .. الفراغ دائما مايأتي بأسئلة أو ذكريات قديمة وأنا اعتزلت طرح الأسئلة منذ زمن .

 
أتت أختي لزيارتنا كما هي العادة السنوية لكنها تغيبت ولم تأتي السنة الماضية بسبب حادث حصل لزوجها كلفه ذلك عمله وسيارته ولكن لطف الله كان أقرب وخرج بحياته .قررا بغير تصريح أن يعيدا ترتيب حياتهما ماديا وصحيا –أصيب في رأسه ومازالت آثار العملية بادية عليه في تلك الفترة  –  قبل أن تأتي هي لا تريد أي شفقة , أشعر بها الشفقة شعور كريه جدا .
هذه المرة أتت ومعها هبة الفتاة ذات العامين بعينين واسعتين . كلما أرى هبة أشعر بسعادة بالغة هي الوحيدة التي تستطيع أن تغير مزاجي .. أتت وإنهار معها كل النظام الدقيق الذي وضعته لأيامي وتوقفت كل مشاريعي ودراستي أصبح كل الوقت لها, مشاغبة صغيرة تحب التسلق والجري . صخب الأطفال جعلني أدرك أن إغراق نفسي بالأعمال لم يكن إلا هروبا من مواجهة الحياة . وأني فقدت جزءا من ثقتي والجانب الساذج الطفولي في  وأصبحت أرى الحياة بلون أسود فقط.

 

 

حقيقة الحياة خارج العزلة والكتب والأفلام والأعمال جميلة أيضا . أدرك أن كل ماسبق وكتبته مهم وجميل ولا أستطيع أن أتخلى عنه لكنها لا تساوي الشعور حين تختلط بالناس , وتعمل أعمال حقيقية ليست تلك التي خلف الشاشة .
الأطفال قادرون بطريقة سحرية على تغيير أي شيء للأفضل دائما ببرائتهم وأسئلتهم وتعليقاتهم المفاجأة والمضكحة .
بقي على عودة أختي اسبوع وقررنا إستغلال هذا الوقت ذهبنا إلى منتزه بحري بعد صلاة الفجر كنا على الطريق قرابة ساعة . في كل مرة أخرج فيها من منزلي –  وهي مرات قليلة جدا أواجه فيها تحديا في إنهاء عزلتي الإختيارية وأن أعود للعالم الحقيقي بدلا من الإفتراضي .
المنتزه كان خاليا من الناس , هذا أفضل اتجهنا للملعب ولعبنا كره القدم ثم تفرقنا , مشينا ركضنا
مارسنا كل شي حتى وقفت الشمس على رؤسنا قرر أخي أن نذهب إلى شاطئ آخر ليتمكن الصغار من السباحة . بعد البحث وصلنا إلى شاطئ جميل مليء بالناس التي لم تكترث لحرارة الجو ولا للشمس ولا للرطوبة وقرروا أن يستمتعوا بكل مالديهم . اتخذت مكانا بعيدا عن الناس تحت صخرة لأتظلل بها . كنت أراقب الناس وهي تلهوا في البحر .. أناس بسطاء عاديين أطفال يجمعون الحصى ,أمهات يراقبن أطفالهن أيضا تحت الشمس , أظن أن لا أحد هنا يشتكي من حرارة الجو وسطوع الشمس أبدا ! مرة أخرى أرى الحياة جميلة خارج صندوق العزلة .
في طريق العودة تناولنا وجبة الغداء , حقيقة كانت أشهى وجبة تناولتها خارج المنزل .

 

عدنا ببشرة سمراء ورمال مازالت عالقة في أطراف  أقدامنا وبروح أخرى منتعشة خرجت وتنفست بعض الهواء .. على الاقل كانت روحي أنا 😊❤️

سمية . 8 سبتمبر 2016

آخر ليلة أكون بها في عمر السادسة والعشرين 🌿

36 فكرة على ”عزلة – عائلة !

  1. تدوينه جميلة جداااا لامست قلبي ، افهمك كثييييرا اختي سمية ،انا ايضاً امر بنفس الشعور .. العزله احيانا مهمة لنعيد ترتيب اوراقنا ونحدد اولوياتنا .. مااجمل ان تخلو بنفسك وتقيم ذاتك، تحدد اهدافك ، تتعرف على نقاط ضعفك تصحح اخطاءك .. والاجمل ان نصنع من الحزن واليأس امل و نور يوصلنا الى احلام طالما انتظرنا تحقيقها ..
    العزله نقطه لبدايه قويه وثابته ان احسنا النهوض والمضي في زحام الحياه ..
    حياتك اختيارك .. فأما ان تختاري المقاومة وبالتالي الوصول الى احلامك او حتى المحاوله في الوصول … طالما انتي تحاولين سوف تصلين بإذن الله ولو بعد حين … او أن تختاري الاستسلام والوقوف بنفس المكان وهو هلاك النفس الروح ..
    واخيراً :
    وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا …

    Liked by 1 person

  2. بكل صراحة تجربتك شيء استطيع أن اتفهمه مريت بفترة مشابهه ولازلت اعيش اسراب عزلة بين كل فترة وفترة لكن الحقيقة الوحيدة الي أؤمن بها ذلك أنه عزلتي لم تجب على كل الأسئلة بل ابقتني معلقة بالسؤال بلا أجابه بسؤال يجعلني مهزوزة فتكون العزلة هي الملجأ الوحيد لذلك أستطيع أن أقول أنها كانت محطة انتظار لا عزلة اكتشاف ذات وفهم أعمق لنفسي

    تدوينه جميلة أثرت فيني جداً

    إعجاب

  3. شجرة

    يا حلو اللي كبروا، العمر كله يارب.
    جدًا تدوينتك كانت عميقة، أن تبحث عن نفسك وتتعثر حتى تجدها شيء ممتع ومرهق وشاق لكن النهاية كانت جميلة “على الأقل كانت روحي أنا” وهذا أسمى ما يحصل عليه الإنسان ويكسبه في هذه الحياة هو أن يصل إلى روحه، إلى حقيقته، إلى ذاته وحسب. العزلة حاجة والانخلاط بالآخرين مطلب، لذلك يجب علينا العيش بإتزان مهما كان ذلك صعبًا
    كل سنة و روحك هي روحك، لا شخصًا آخر.💙

    Liked by 1 person

    1. شكرا لك ❤️
      وهذا أسمى ما يحصل عليه الإنسان ويكسبه في هذه الحياة هو أن يصل إلى روحه، إلى حقيقته، إلى ذاته وحسب
      هذا السطر هذا ما أريده تماما !
      الإنسان يتعلم عن نفسه ويعرفها حين يعتزل أكثر منه حين يكون مع الجمع . ومع السنين يصل إلى درجة يعرف فيها حقيقته
      أو لايصل . لكن تظل تلك الرحلة ممتعة .
      العزلة الطويلة سيئة , أحاول الخروج منها تدريجيا الآن ..
      شكرا لكِ ..شكرا لكل شيء 🙂

      Liked by 1 person

  4. فلسن

    دمعت عيناي رايت نفسي بين كلماتك مضى عام منذ أن تركت وظيفتي التي لا تعبر عني و ذهبت للبحث عن مجال يشعرني بالشغف ” عن ذاتي عن أنا” عام كان ملئ بالرغبة بالعزلة و ملئ بالبرامج و الدورات التدريبية
    شكرا بحجم السماء لكونك كالمرآة لأنعكس على سلوكي و ذاتي و تصرفاتي لعام سوف يكتمل بإنتهاء هذا الشهر. شكرا

    Liked by 1 person

  5. أنور

    العزلة هو العامل المشترك في حياتي كلها، فهي ليست بمرحلة مؤقتة، مراحل الدراسة والجامعة والعمل والسفر . عندما أفكر الان اجد جميع اصدقائي وعلى قلتهم هم الذين ابتدؤا بالعلاقة ومحادثتي، ومن ثم انا تعرفت بهم، أحيانا احسد نفسي عليها وفي الحين الاخر أقوم بتوبيخ نفسي على عدم بذل مجهود، لاأعرف يقينا هل كانت مفيدة بالنسبة إلي أو أن حياتي كانت أفضل لو اجتنبتها . الذي اعرفه ومتأكد منه ان هذا السلوك أفادني كثيرا في دراستي وحياتي العملية، ولكن هل كان بالإمكان أفضل مماكان؟ هل حياتي ستكون اسعد بدونها؟ لاادري. لكن بعد هذه العدد من السنين اجد أني احتاج إلى فترات استراحة من الناس لإعادة شحن بطاريتي، وإلا لأصابني التعب والاجهاد. على الرغم أني ارى ان هناك أناس مختلفين عني يعيدون شحن بطارياتهم بوجودهم بقرب الناس.

    Liked by 2 people

  6. حديثك عن العزلة ومابعد التخرج وكأنك تتحدثين عن تجربتي ! العزلة بحثاً عن الذات من اجمل الأمور التي احمد الله عليها كثيراً ،
    حالياً انا خارج عزلتي وداخلها اختلط بالناس صباحاً واعتزلهم مساءً ، اعتدت الدخول والخروج بكل اريحية ، فلا أنعزل ولا اختلط طوال الوقت اصبح الوضع منظم اكثر ومريح بالنسبة لي ، لذلك اتمنى ان تجدي مايريحك ولا يأثر على حياتك ومستقبلك وبالتوفيق يا صديقة =)

    Liked by 1 person

    1. أهلا بالصديقة ❤️

      بدأت قريبا الإختلاط بالناس والخروج والإتصال .. كان مربكا ولازال . لكن لكي نستمر في الحياة يجب أن نخرج من منطقة الراحة . !
      أتمنى لكِ مزيدا من التوفيق .

      إعجاب

  7. الريم صالح الناصري

    أجمل أحاديثنا وأكثرها أثراً هي التي خرجت من القلب ..
    لايمكنني إلا أن أكون فخورة بما كتبت وثقتك بصوتك الحقيقي .
    لا يمكن للعالم حولنا أن يفهم رغبة العزلة والتي نكون فيها أقرب إلى ذاتنا وطقوسنا ..

    ممتنة لك

    Liked by 1 person

  8. emans3od

    احب احب احب المذكرات
    جالسة اقرأ سطرين وارجع اتاكد
    معقول انا في صفحة سمية؟ *قلوب* *قلوب*
    العمر كله ياختي بعزلة أو باختلاط او حتى الاثنين بنفس الوقت.

    Liked by 1 person

اترك رداً على شجرة إلغاء الرد